يبدو أن جيلاً جديداً من الشباب بات يعتمد على “تطبيقات التعارف الإسلامية”، المثيرة للجدل، للعثور على شريك، لكن من دون تجاهل العادات والتقاليد، بعدما طُوعت خوارزميات هذه التطبيقات بما يراعي العُرف ولا يتجاوز “القواعد الرسمية الصارمة” المعمول بها.

في منشور حالم عبر صفحتها التي يتابعها 50 ألف شخص على فيسبوك، سألت الشابة المصرية شيماء ذات مرة: “لماذا لا توجد منصة إلكترونية تمكِّن المصريين المقبلين على الزواج -رجالاً كانوا أم نساء- من التعارف الجاد قبل اللقاء؟ أو تمكِّنهم من معرفة ما إذا كان اللقاء ضرورياً أصلاً؟”.

لم يكن الوقت في صالح شيماء علي، فهي في أواخر العشرين من عمرها، حيث يُنظر للفتاة بالشفقة -إن لم يكن بالعار- في حال لم تكن متزوجة في هذا السن في بلدها.

بسؤالها عن منصة تعارف إلكترونية، كانت الفتاة التي تحملت عبء لقاءات محرجة مع أكثر من ثلاثين شاباً (عريساً محتملاً) في غرفة معيشة أهلها بمدينة الإسكندرية خلال السنوات العشر الأخيرة، تحاول التمرد على نمطي ملاقاة شريك الحياة المتاحين لها. النمط الغربي الذي يمر بالاختلاط مع الجنس الآخر والخروج معه، وهو نوع غير محمود “العواقب” أبداً في بلدها. والنمط التقليدي؛ زواج يُنظَّم كلياً من قبل العائلة.

تذكر شيماء مشاهد من اللقاءات التقليدية بينما تقول: “بعد عشر دقائق من اللقاء، يبدأ الجميع بالنظر إلينا كي يستطيعوا استشفاف القرار. يسألني الشاب ما إذا كنت أعمل، وهل أنا على استعداد لترك العمل، وأجيب في قرارة نفسي: لماذا جئت لمقابلتي وأنت تعلم أنني أعمل؟”.

الزوج الأمثل بالنسبة لوالدّي شيماء هو الرجل الذي ينحدر من عائلة ذات “حسب ونسب”، ويملك شقة أو سيارة. أما شيماء، وهي أكثر استقلالاً وتعليماً من أي امرأة من جيل والدتها، فكانت تأمل في نوع آخر من العلاقة الزوجية.

كانت تعي جيداً نسب الطلاق المرتفعة في مصر، حيث تنتهي 40 % من الزيجات في السنوات الخمس الأولى. لكن الزواج بالأساس ليس يسيراً هناك أيضاً. فخلال سنوات ما بعد الربيع العربي، وعلاوةً على الركود الاقتصادي الذي ساد فيها، أصبح من الصعب جداً على الشباب إيجاد فرص العمل أو البدء في تكوين عائلات.

منذ عام 2014، بدأت شيماء التدوين عبر فيسبوك عن تجربتها كامرأة غير متزوجة. في منشوراتها، قصّت شيماء كيف أن ردة فعل والدتها، عند حصولها على جائزة، تمحورت حول السؤال عن تأخر ابنتها في الزواج حتى ذلك الوقت. كما أشارت إلى قرارها بأن تُنفق المال الذي ادخرته من أجل الزواج على السفر لأنها “لم تعد تريد انتظار العريس”، على حد قولها.

واستقبلت رسائل من أخريات يشاركنها قصصاً مشابهة عن “عرسان غير مؤهلين” وعن “ضغوطات عائلية لا تُحتمل”.

Photo by Johann Rousselot/laif/Redux

“هوايا” في مصر

منشور شيماء أثار اهتمام الشاب سامح صالح، رائد الأعمال المصري في مجال التكنولوجيا، والذي كان يعمل على تأسيس تطبيق للتعارف عبر الموبايل يحمل اسم “هوايا” (المعروف سابقاً باسم هارمونيكا). ويُعرف “هوايا” عن نفسه عبر موقعه الرسمي بأنه “أول تطبيق مصري للتعارف الإلكتروني الآمن”.

يوجد 141 مليون مستخدم عبر الهواتف الذكية في الشرق الأوسط، 74% منهم دون سن 34، وكثير منهم يجد صعوبة في إيجاد شريك الحياة.

في الأثناء، كانت تطبيقات مواعدة مثل “تيندر” Tinder و”بمبل” Bumble انتشرت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن مفهوم “المواعدة” غير مقبول في ثقافة المجتمع المصري، إلا أنه يحدث بشكل غير علني بغية البحث عن شريك الحياة. أما إذا كانت من أجل لقاءات غير جدية ولا تهدف للالتزام، فهي مرفوضة وغير مرحب بها.

وكان الظن بشأن تلك التطبيقات المستوردة أن الرجال المشتركين بها يبحثون، غالباً، عن “لقاءات جنسية عابرة”.

استطاع صالح أن يحدد الفجوة في سوق تطبيقات التعارف، ودفعته سمعة “تيندر” المشبوهة في مصر إلى التفكير في التحدي الجديد المتمثل في “سبل جذب المستخدمات الإناث اللواتي لا يشعرن بأريحية عند استخدام هذا النوع من التطبيقات”. وأَمِل صالح، من خلال توظيف شيماء معه ضمن فريق عمل “هوايا”، أن يكون قد وجد الحل لهذا التحدي.

اليوم، وبعد ثلاث سنوات من إصدار التطبيق وتغير اسمه إلى “هوايا”، بلغ عدد الموظفين العاملين عليه 25 موظفاً، بينما بلغ عدد مرات تحميله مليون مرة. وفي حين قد يبدو التطبيق، للوهلة الأولى، مشابهاً لتطبيقات المواعدة المستوردة من الغرب -من حيث الأسئلة النمطية الأولية عن السن والحالة الاجتماعية والمكان- لكن بنظرة أشمل، يظهر التركيز على هوية المستخدم المستهدف بشكل أوضح.

اعتماد على “قيم الثقافة الإسلامية”

وتُخبر إرشادات التطبيق المستخدمين صراحةً: “لا نطلب منك إخفاء صورتك”، إلا أن التطبيق يشترط استخدام صور “محتشمة وأنيقة”. وعند كتابة ملخصات حول سيرتهم الذاتية في المساحة المخصصة لذلك، يطلب التطبيق من المستخدمين أن يعبروا عنها بطريقة محترمة و”نظيفة”.

 تهدف إستراتيجية “هوايا” إلى إدخال قيم الثقافة الإسلامية في تصميم التطبيق إذ رُفع سن المستخدمين من 18 إلى 21 عاماً للتأكد من جدية إقبالهم على الزواج فعلاً. كما يُعطي المستخدمات ميزة إخفاء صورهن للشعور بالأريحية الكاملة حيال كشفها للشاب المناسب فقط.

وهو يوفر في الوقت نفسه خاصية “الملاك الحارس” التي تسمح لأحد أفراد العائلة بـ”الإشراف والمرافقة” أثناء المحادثة مع الشريك المحتمَل. ليصبح هدف التطبيق النهائي: “احترام مستخدمي التطبيق لعاداتنا وثقافتنا”، كما تقول شيماء.

وفي عيد الحب الماضي، طُرح “هوايا” بخمس لغات مختلفة: العربية، والألمانية، والتركية، والبهاسا الإندونيسية، واللغة الإنكليزية.

على موقعه الإلكتروني ينتقد التطبيق الطريقة التقليدية في الزواج التي يقول إنها تدفع الشاب المسلم إلى اختيار شريك حياته بأجواء غير صحية ويطرح نفسه “بديلاً مقبولاً اجتماعياً”. كما يزعم أنه “يتّبع طريقة علمية آمنة”.

وتعتقد مروة، الشابة الثلاثينية التي تقيم بالعاصمة القاهرة، أن الشهرة المتزايدة لتطبيقات التعارف الإسلامية تُفيد في جعل “ثقافة المواعدة مقبولة أكثر في مصر”.

“الخطَّابة” في السعودية

شارك سيدريك معلوف، وهو رائد أعمال لبناني، في تأسيس تطبيق “الخطَّابة” عام 2014، وذلك بعد مبادرة شخصية منه بإطلاق منصة إلكترونية للتعارف والمواعدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يُكتب لها النجاح.

يقول سيدريك: “أراد المستخدمون تطبيقاً يتماشى مع ثقافة مجتمعاتهم أكثر. ما لم أعرفه وقتها أن الأسئلة أو الميزات التي تناسب الشاب اللبناني مثلاً، قد لا تلائم المجتمع المغربي”. يُدلل سيدريك على ذلك: “كان لدينا سؤال في التطبيق عما إذا كان المستخدم يدخن النرجيلة، عرفنا بعدها أن سؤال أحدهم عن تدخين النرجيلة قد يكون ذا ‘دلالة جنسية‘ في بعض البلدان”.

عندما توقف المشروع، قرر سيدريك وفريقه التريث قليلاً ومن ثم التركيز حصراً على البلد الذي حقق أكبر عدد من المستخدمين. للمفارقة، كانت السعودية. ورغم السلطة الدينية المحكوم بها هذا البلد، خاصةً في مراقبة ما يُتداوَل على الإنترنت، وتحرّم الاختلاط بين الجنسين (آنذاك)، إلا أنه كان سوقاً مربحة.

حالياً، عقب ست سنوات من إطلاق تطبيقه، يقول سيدريك إن لديه أكثر من 300 ألف مستخدم نشط شهرياً، والرجال هم فقط من يدفعون الاشتراكات. و”الخطّابة” هي مصطلح سعودي يُقال للمرأة التي تقوم بتسهيل تعارف الراغبين في الزواج.

يتم الترحيب بزوار “الخطّابة” بصورة امرأة مبتسمة ترتدي الزي السعودي التقليدي مع لمسة أحمر شفاه.

قبل أن يتمكن المستخدمون من التسجيل، يتوجب عليهم الموافقة على الشروط التي تنص على أن المستخدم يجب أن يسعى للزواج “حسب الطريقة الإسلامية”. ثم يقوم المستخدم بالإجابة عن اختبار مكون من 60 سؤالاً مفصَّلاً وضعت بالاستعانة بمتخصصين في الزواج و”رجال دين”.

وبالإضافة إلى الأسئلة المعتادة، حول الطول والهوايات والنشاطات في أوقات الفراغ وغيرها، توجد أسئلة مخصصة للمجتمع السعودي، كالتي تسأل عن التوجه الديني أو الانتماء القَبلي. ويشمل الاختبار سؤالاً عن تفضيلات المستخدمين بشأن جنس طفلهم الأول: صبياً أم بنتاً.

ومن أنواع الزواج التي يتيحها التطبيق كخيار، زواج المسيار المثير للجدل، نظراً لارتباطه بعلاقة مؤقتة، غالباً جنسية بالأساس، بين طرفين لا يقيمان مع بعضهما البعض. ورغم شيوعه في السعودية في السنوات الأخيرة، لم تتعد نسب اختياره في التطبيق 1%، بحسب سيدريك.

خيار “تعدد الزوجات” متاح عبر التطبيق أيضاً. ويشرح سيدريك: “هذا الخيار ساعدنا على عدم ربط رجل يبحث عن زوجة ثانية بفتاة لا تقبل أن تكون زوجة ثانية”.

تطويع الخوارزميات

إن إدارة هذه المحددات تتطلب عملاً متوازناً ومتناغماً مع البيئة الاجتماعية المحيطة. على سبيل المثال، عندما اكتشف مؤسسو التطبيق أن بعض العلاقات التي تتم عن طريق “الخطَّابة” فشلت بسبب معارضة الآباء والأمهات، تم تعديل خوارزميات اقتراحات الشريك لتتضمن تفضيلات فئات عمرية أكبر سناً، لتقريب الاقتراحات من “توقعات الأهالي” وبما يتناسب مع أبنائهم.

وعندما لاحظ سيدريك تباين تفضيلات المستخدمين بشأن حجاب الشريكة، تم إدراج أسئلة للنساء عن نوع الحجاب الذي ترتدينه، وأسئلة للرجال عن نوع الحجاب الذي يرغبون رؤيته الشريكة المحتملة فيه.

لكن التحدي الأكبر الذي واجهه التطبيق، هو أن يبقى في صف السلطة في بلد تهيمن عليه “قوانين الآداب العامة” الصارمة. لتجنب الوقوع في أي خطأ، قام سيدريك بتطبيق إجراءات تدقيق مشددة، وضمّن خوارزميات “تراقب محادثات المستخدم التمهيدية” للعثور على أي موضوع أو كلمات “مشبوهة” تتطرق إلى المال أو الجنس. كما جهز فريقاً تنفيذياً متواجداً على مدار الساعة لمنع أي مستخدم يتجاوز قواعد الآداب العامة، وحظره فورياً من التطبيق.

Photo courtesy of Muzmatch

“مُزماتش” البريطاني 

يُعد التطبيق البريطاني “مُزماتش” Muzmatch واحداً من التطبيقات المبكرة التي دخلت على مشهد تطبيقات التعارف الإسلامي عبر الإنترنت. يضم التطبيق الآن أكثر من ثلاثة ملايين مستخدم في 190 بلداً، ويزعم أنه كان مسؤولاً عن إتمام أكثر من 60 ألف زفاف.

يختلف “مُزماتش” عن التطبيقات المنافسة التي تعتمد على الخصائص المحلية والمجتمعية في تشكيل علاماتها التجارية، بأنه يستهدف، كما يوضح القائمون عليه، المستخدمين المتواجدين في الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، من معتنقي الديانة الإسلامية حصراً.

عند التسجيل في التطبيق، يطلب من المستخدمين الضغط على زر القسم بالله على أن يستخدموا التطبيق “بشكل صحيح”. وعندما يجد المستخدم الشريك المحتمَل، تصله رسالة تذكيرية بأن “يحافظ على الأمور بشكل حلال”. 

ويعتقد المدير التنفيذي للشركة صاحبة التطبيق، شاهزاد يوناس، الذي يعكس مظهره -كما سياسة شركته- صورة عصرية للهوية المسلمة، أن شباب الجيل الحالي يستلهم من القيم الإسلامية الحقيقية أكثر من آبائهم الذين استلهموا مبادئهم من قيمهم الثقافية المتشددة، وأن هذا الجيل أكثر انفتاحاً على الآخر.

بنجاح التطبيق شيئاً فشيئاً، يقول شاهزاد إنه بدأ في مساعدة الشباب المسلم بالتخلص من الأحكام المسبقة الموروثة عن طريق استخدام التطبيق.

في البداية مثلاً، كان مستخدمو التطبيق يريدون التعرف فقط على شركاء من نفس العرق، غير أن بيانات التطبيق تظهر معلومات أخرى. ويضيف شاهزاد: “لقد أدركت كم كان المستخدمون محدودين، علماً بأنه في الإسلام لا فرق بين الطوائف والأعراق، أو على الأقل لا يجب أن يكون هناك فرق. من هنا، قررنا أن نضيف ببعض التغييرات”.

وبينما يعتقد بعض المستخدمين أن تطبيقات التعارف تُشعرهم وكأنهم يتفاوضون على “صفقة”، يعتقد شاهزاد أن الزواج في الماضي “كان صفقة حقيقة”، إذ كان الأهل يتحكمون بكل خطوة من خطوات الزواج، بدايةً من اختيار الشريك مروراً بالتعرف على أهله، وصولاً إلى إخبار العريس بأنه مرفوض. أما هذه التطبيقات، والكلام لا يزال لشاهزاد، فقد أراحت الأهالي من هذه الأعباء.

 وفي حين كانت تطبيقات التعارف قديماً تُنتَقد بشدة بزعم تشجيعها على المجون وتهديدها البناء الأسري في المجتمع، باتت تطبيقات التعارف الإسلامية اليوم في مكانة جيدة ومثيرة، تقودها شركات ربحية تحاول التخلص من التقاليد القديمة في الخطبة والزواج.

مع ذلك لا تزال هذه التطبيقات تحتاج إلى جرأة كبيرة من قبل رجل دين لكي ينصح بها مريديه في المسجد.

وبالنسبة للشباب المسلم، فإن الزمن يتغير بسرعة، وتمكين الأجيال الجديدة من استخدام تقنية تمنحهم الاستقلالية عن أهاليهم ساهم في تغيير مواقفهم تجاه الحب والعلاقات بين الجنسين على طول العالم الإسلامي. وباتت للفتيات سلطة أكبر في اختيار شريك الحياة.

ولا يزال خبراء تطبيقات التعارف يفكرون كثيراً بشأن تجاوز الطرق التقليدية في إيجاد الشريك، بما يمكن تطبيقاتهم من مراعاة فوضى المشاعر الإنسانية المعقدة في الحب والانجذاب، خصوصاً عندما يترافق ذلك مع ضغوطات دينية ومجتمعية، وقدرة هذه التطبيقات على تحسين الطرق التقليدية في الزواج، وحول دقة اعتبار الشباب المسلم جاهزاً لبناء علاقة حقيقية من خلال تطبيق تعارف، وهو في الأصل لا يملك الخبرة الكافية في التعامل مع الجنس الآخر.

لهذا، تحتوي كثير من منصات التعارف الإلكترونية على نصائح حول كيفية التحكم بالتقلبات العاطفية غير المألوفة الناجمة عن تداعيات المواعدة في هذه الأيام.

وتبقى القضية الأكثر إشكالية حول استمرار تقبل الأزواج لفكرة التقاء زوجاتهن عبر تطبيق إلكتروني. وتقول شيماء، في هذا السياق: “لا يزال الرجل المصري تقليدياً و محافظاً. ومن المخيف بالنسبة لي أن بعض الرجال الذين التقوا بزوجاتهم عن طريق تطبيق ‘هوايا‘ قد يستخدمون محادثات زوجاتهم مع رجال آخرين في الموقع ضدهم”.